الغفران و الحب أكبر هدية يمكن للإنسان أن يقدمها لنفسه |
سامح لأجل نفسك كل من ظلمك
الإنسان في حياته يتعرض إلى الكثير من الظلم، و لكن أكبر ظلم يتعرض له هو ظلمه لنفسه.
فالإنسان لا يستطيع أن يتجاوز إساءة و ظلم الآخرين له، و لا يدرك بأن ظلمه لنفسه أكبر. فالإنسان في الغالب لا يعتقد مطلقا بأنه يظلم نفسه مع أن الله سبحانه في كثير من الآيات في كتابه الحكيم أشار إلى ظلم الإنسان لنفسه "كانوا أنفسهم يظلمون".
و من أكبر ظلم الإنسان لنفسه هو عدم قدرته على الغفران و التسامح لمن أساؤوا إليه أو لمن ظلموه.
و في الحقيقة هو فعل يتطلب الكثير من الشجاعة و من تحمل المسؤولية الذاتية. فالأرواح الناضجة هي القادرة على هذا الفعل.
و لو تمعنا في حياة نيلسون ماندلا، لوجدنا أن سر قوته في قدرته على التسامح و تجاوز الماضي و الغفران لكل من جلده و عذبه، بل و منحهم فرصة العمل و التعايش معه من جديد.
فالإنسان عندما يترك قصص الظلم و الإساءة عالقة في ذهنه و قلبه يعتقد بأنه يحرق قلب الظالم و لكنه في الحقيقة يحرق قلبه هو. فأن يعفو و يصفح خير له هو لو كان يعلم.
لماذا؟ لأنه سيستمر في العيش بحرية مطلقة، و لن يستطيع الظالم أبدا أن يسيطر عليك من جديد. فالغفران و السماح يعني التخلي عن كم المشاعر السلبية التي سببها لك المسيء أو الظالم و يعني أن روحك تتحرر تماما من تلك الطاقة السلبية التي سببها ذلك الحدث.
و لكن، أغلب الناس غير قادرين على الصفح، أو لنقل الصفح درجات. و لكل نفس وسعها في الصفح. فهناك من سيظل متحاملا عليك على أشياء قد تبدو لآخرين تافهة، مثل أنه تجاهلك و لم يقدم لك دعوة بمناسبة حفل زفافه أو نسي أن يسلم عليك في أحد الأيام. و هناك من سيتحامل على أشياء أكبر كأن يظلمك في مالك و رزقك و هناك من سيظل متحاملا على أشياء أكبر كأن يتعمد شخص أن يشوه سمعتك.
و كل فرد حسب وسع روحه،سيقول أبدا كيف يمكنني أن أسامحه، إلا هذه؟
و لكن التسامح واحد، سواء في صغائر الأمور أو كبارها. و قصة الإفك للسيدة عائشة رضي الله عنها و أبيها أبي بكر خير مثال. حيث نزلت آية عن أبي بكر الصديق يأمره الله أن يسامح و يغفر لمن آذاه في عرض ابنته و ألا ينقص شيئا من الصدقة التي كان يعطيها له.
فالقصة تظهر أن عدم السماح و الرغبة في الانتقام هو رد فعل طبيعي حتى الصديقين سيعانون منه. فأبي بكر الصديق من أنبل الشخصيات التي مرت قي التاريخ، و مع ذلك فأمام التشهير بابنته عائشة عليها السلام و الطعن في شرفها لم يستطع أن يسامح و قرر ألا يمنح مالا للشخص الذي طعنها في شرفها و شهر بابنته.
فهذا رد فعل طبيعي، و ربما اغلبنا سيجده عادي. كيف أعطي الصدقة لمن أساء إلي؟
و لكن الله سبحانه أنزل آية يأمره بها بالصفح و الغفران و بأن يعطي لذاك المسيء ما كان يعطيه غير ناقص منه شيئا.
إذن السلوك القويم الصحي و الإيجابي في الإساءة هو ما أنزله الله في كتابه أي الغفران و السماح و العفو مهما كانت درحة الظلم.
و السماح و الغفران لا يعني عدم القصاص و عدم محاسبة الظالمين. و لكن يعني القصاص منهم و محاسبتهم على أفعالهم بالمعروف بدون حقد بدون ضغينة بدون غضب بدون انتقام.