recent
جديد المدونة

ما هو التسليم لله؟ و لماذا يعجز الإنسان على التسليم؟

 
ما هو التسليم لله؟

إذا تأملنا البحر و أحشائه سندرك معنى التسليم لله


ما هو التسليم لله؟ و لماذا يعجز الإنسان على التسليم؟

كنت جالسة على شاطئ البحر، أتأمل أمواجه و إذا بموجة لفظت صدفة كبيرة جميلة و سمكة ميتة في نفس الوقت.

نظرت إليهم بصمت عميق، و وجدتني أفكر في ردود أفعالنا نحن البشر، و فهمت أن كل ما في الأرض من بحر و سمكة و صدفة و أمواج و كل الكائنات تمارس التسليم إلا نحن البشر لأننا نملك العقل، و العقل هو الذي يمنعنا من ممارسة التسليم لأنه يريد أن يؤول الأحداث، أن يحكم عليها، أن يصنفها أن يقارن أن يقرر و كلها أشياء عكس التسليم تماما.

لنتخيل الصدفة الجميلة مسكونة بالذات الإنسانية، أو بالضبط تملك عقلا مثل عقلنا. ما إن يلفظها البحر حتى ستبدأ في تكوين القصص، و في الحديث الداخلي.  فلو كانت تعتقد بأنها كانت تخدم البحر عندما كانت قابعة في أعماقه، ستبدأ تفكر كيف أن البحر جاحد و لفظها رغم كل ما قدمت له من خدمات و كيف ساواها مع سمكة ميتة، و اعتبرها هي و الجيفة سواء. و ستتملكها مشاعر الغضب و ستشعر بالجحود.

و لو لم تكن مرتاحة في أعماق البحر، ستنسج حديثا داخليا مغايرا، و ستشكر الله لأنه أنجاها من الأعماق المظلمة و ستفرح باستقبالها للشمس و الرمال و العالم الجديد. و لكن في كلتا الحالتين فهي ليست في تسليم و لكنها تحت قيادة الأفكار التي ينسجها دماغها. فالدماغ دائما يخلق قصة، و لكن هل القصة حقيقية؟

هل حقا البحر جاحد؟ هل حقا هي هبة أن تكون على الشاطئ بدل أن تكون في أعماق البحر؟

و لكن لأن الصدفة لا تملك عقلنا فهي في تسليم مطلق. عاشت في أعماق البحر فترة من الزمن، لفظها، ستعيش حياة أخرى مغايرة، قد تكون كقطعة ديكور أو عقد للزينة، قد تتغير كينونتها و حياتها و لكنها في تسليم مطلق. 

و البحر هو الآخر في تسليم مطلق، هل سيلوم نفسه لأن الأمواج العاتية و حركة المد و الجزر تلفظ أشياء منه؟ هل سيقسو على نفسه أو سيقسو على من حوله؟ هل سيبدأ في اختيار ضحاياه أو الحظوة فيمن سيلفظهم أو يتركهم في أحضانه؟

حكاية الإنسان في هذه الأرض، هي حكاية كل مخلوقات الله، كلنا نتعرض لنفس البدايات و لنفس النهايات و لكن الإنسان فريد و مميز في إضفاء المعاني على كل ما يحصل. دماغه لا يرتاح إذا لم يحك قصة، قصته أو قصة المحيطين حوله. دماغنا دائما ينسج حكايات لما يراه أو لما يسمعه. و لهذا نحن مخلوقات يصعب علينا ممارسة التسليم الكامل. لأن التسليم الكامل يعني إيقاف صوت الدماغ. يعني استشعار الفراغ المطلق و استشعار العدم، يعني التوقف عن نسج القصص، يعني اليقين بالحقيقة الواحدة المطلقة " لا الآه إلا الله". و الباقي هو فقط خيال من صنع الدماغ. هو الخيال الذي يخلقه الدماغ فيكون الواقع الذي ينسج على ضوئه قصصا أخرى.


google-playkhamsatmostaqltradent