لا تجعل المشاعر تستنزفك
"كم من الأمور فقدتها في حياتك بسبب عدم انتباهك لما تخسر، و كم من الوقت قضيته في الحزن الذي لا طائل منه، و السعادة التافهة، و الرغبة الدنيئة، و المتعة الاجتماعية - و لم يتبق لك من ذاتك سوى القليل. و إذا عرفت ذلك ستدرك بأنك بدأت تموت قبل أن يحين موعدك" سينيكا من كتاب on the brevity of life.
ماذا لو نظرنا إلى حياتنا كنوع من الموارد التي ستنتهي في يوم ما، تماما كالبنزين الذي سيحترق أو الفرشة المائية التي ستجف، أو المال الذي سينقضي أو الجسد الذي سيهرم.
ثم لنتأمل قليلا أين نضع هذا المورد الذي وهبها الله لنا أي الحياة؟ إننا بحكم العادة ننظر إلى حياتنا كشيء مسلم به و لا نستطيع أن نستوعب بأنها أعظم هبة منحها الله لنا و بأنها لن تدوم.
و ليس هذا فقط، و لكن كثيرا ما نستنزف حياتنا في مشاعر تستنزفنا من الداخل و تستهلكنا كعود ثقاب مشتعل.
فمعظم يومنا يمضي في " أنا غاضب" " أنا حزين" " أنا قلق" "أنا متوتر" "أنا منتشية" " أنا فرحة" " أنا سعيدة" "أنا أغار" "أنا أشعر بالحرمان"...
فهل خلقنا فقط لنستغرق في المشاعر؟ هل هذا جوهر وجودنا؟ أم أننا خلقنا لشيء أكبر من هذا و المشاعر ليست أكثر من ترمومتر يقول لنا أين نحن وماذا علينا أن نفعل.
في مقال سابق تحت عنوان " المشاعر براز الروح" حاولت أن أقدم نظرة جديدة عن المشاعر و إعطائها حجمها الطبيعي و ذلك بهدف الاهتمام بالحياة نفسها و بالغايات و الأهداف النبيلة و الأولويات التي من أجلها وجد كل فرد منا بدل أن نحترق مشاعريا لأننا أعطينا للمشاعر أكبر من حجمها الطبيعي، فتصبح حياتنا تدور في فلك المشاعر بدل أن تدور في فلك الفعل و العمل و السعي.
فإذا انغمس الإنسان في بحر المشاعر، فإن تلك المشاعر للأسف تصبح بمثابة التزامات و أفعال و من ثم ستبعدك عن أهدافك الحقيقية النبيلة التي من أجلها خلقت.
فلنفترض مثلا بأنك امتلأت بالغضب، فتأكد بأنك طول الوقت كل ما ستقوم به هو أن تفكر كيف تنتقم، و كيف تنتصر. ثم ستتحول أفعالك و سلوكياتك مليئة بالأحقاد و الغيرة و الحسد.
بينما الأولى هو أن تتحرر من كم هذه المشاعر العالقة و تتركها تمضي لتركز على أولوياتك.
![]() |
وهج الشروق يشبه وهج الحياة كلاهما ساحر و لا يمكن التعبير عنه بالكلمات |