عفوا، لقد قلت ذاك من قبل
إذا أردت أن تشارك نفس التغريدة في تويتر، فإنه سيجيبك فقط برسالة قصيرة " عفوا، لقد قلت ذاك من قبل".
فلسفة تويتر و مفهومها حول التغريدات، بمعنى لم ستقول الشيء ذاته مرتين؟ و لم ستغرد نفس التغريدة مرتين؟ جعلني أتساءل هل نعتنق هذه الفلسفة في حياتنا؟ و كيف كانت ستكون حياتنا أكثر ثراء لو طبقنا هذا المفهوم الثوري.
لأننا في واقع حياتنا، و لو راقبنا أنفسنا، لوجدنا بأننا نحكي النكتة نفسها عشرات المرات، و نتحدث عن الشيء ذاته مئات المرات، و نشتكي من المشاكل نفسها عشرات المرات لنفس الأشخاص، و نعيد الأشياء نفسها كل يوم تقريبا.
لماذا نفعل ذلك؟ هل نعتقد بأن الناس ربما لم يسمعونا في المرة الأولى؟ أو نريد أن نؤكد ما نعتقده و ما نفكر فيه؟ أم لأن دماغنا يدور في حلقة مفرغة و يجتر الأشياء نفسها و يعيد تدويرها كل يوم؟
ماذا لو وجد قانون يشبه فلسفة توتير: ممنوع أن تشارك الشيء ذاته مرتين مع الآخرين في الحياة. مسموح لك مثلا في المرة الأولى أن تشتكي همومك أو أن تعبر عن آرائك و لكن غير مسموح لك أن تشتكي نفس الهموم و تعيد نفس الأفكار في المرة الثانية و إلا ستدفع ضريبة " إتلاف وقت الآخرين وهدر طاقتك".
ربما من يمتهن الشكوى فإنه سيتفنن في تعداد المصائب و المشاكل إلى أن لا يجد مشكلة تخطر على باله، و من يحب الفلسفة و التعبير سيبدع في إنتاج أفكار جديدة كل يوم إلى أن يتعب و يجد بأن الصمت هو الحل.
و لكن، في كل هذا، الحياة ستصبح أكثر ثراء و التواصل بين الناس سيصبح متنوعا و غير محدود.
ففي بعض الأحيان أتسلى برؤية وصفات الفطور و الوجبات المتنوعة لمختلف البلدان، فيثيرني العدد الهائل للوصفات المتنوعة لمختلف البلدان، فأقول مع نفسي يمكن أن أحضر كل يوم وصفة و قد تنتهي أيام عمري قبل أن تنتهي الوصفات، و عليه فيمكنني أن أفطر كل يوم بطريقة مختلفة عن الأمس و عن الغد أيضا. و مع ذلك أجدني تقريبا أعيد تغريد الفطور ذاته. فبمفهوم و فلسفة تويتر، ربما كا ن سيقول لي: " عفوا، لقد فطرت بذلك من قبل". فمفهوم تويتر في التغريدات يكاد يشبه مفهوم " عادة ألا تكون لك عادة". أي كل يوم تحاول أن تكتشف أشياء جديدة، مذاقات جديدة، مفاهيم جديدة، تحديات جديدة... فما فائدة أن تغرد الشيء ذاته كل يوم؟
و لكنه مفهوم تويتر، إذا أردنا تطبيقه في حياتنا اليومية، يتطلب منا ذهنا منفتحا و متيقظا على كل احتمالات الحياة . بعيدا عن الخمول و الراحة التي نجدها في الروتين. فالحياة الواقعية بفلسفة تويتر تتطلب منا أن نتجاوز كل يوم منطقة راحتنا و أن نتحدي يوميا أنفسنا و أن نكتشف يوميا هذا الكون الفسيح الذي خلقه الله لنا من ألوانه الغير المتناهية و أشكاله و أحجامه و مشاعره ومخلوقاته و كل شيء فيه.
![]() |
كم هي الأوقات التي نجتر فيها الكلام نفسه و المشاعر نفسها |