التوازن
نعم، يمكن أن تحصل على التوازن في حياة مليئة بالفوضى. فحياتها كانت برهانا على ذلك. كل يوم تستيقظ فيه تعتقد بأنه يوم سقوطها. فكيف يمكن أن تتحمل روح هذا الكم الهائل من الفوضى بدون أن تهوى.
كانت تناجي روحها في لحظات من الصفاء و تداعبها بأنها تحمل في أعماقها "روح بهلوان"، لأنها قادرة على المشي بساق واحدة و فوق خيط رقيق أيضا بدون أن تسقط. فروحها مازالت تساندها و تنقذها رغم ما تسببه من خسائر.
هاهي اليوم أيضا، تستيقظ على فوضى جديدة. تبحث عن جوار سفرها لا تتذكر أين وضعته.
مازال أمامها ساعتين على موعد الطائرة. حاولت أن تتذكر آخر مرة سافرت فيها. كان قبل عامين. أي قبل أن تغلق الحدود بسبب كورونا.
كانت قد سافرت إلى باريس، مدينة الفن و الأنوار. كما كان يسميها الأدباء و الفنانون. و لكن أين رحل الفنانون و الأدباء؟
كل زمن ينتج ما هو عليه. هي حاليا، لا تشعر بوجود عبقري خارق في الفن و الأدب. أو ربما لا تعرفهم. فمعظم العباقرة يظلون مغمورين في زمنهم و منسيون إلى أن يموتوا فينكشف عنهم الستار فجأة.
و ربما، هي أيضا لا تهتم كثيرا بمجال الفن و الأدب، فقط بقدر ما تذيعه وسائل الإعلام. فمعلوماتها تبقى رهينة بما تجود عليها الصحافة المكتوبة و المسموعة.
أين وضعت جواز سفرها؟ هل ظل في حقيبة سفرها كنوع من الإهمال؟ و لماذا ستضعه هناك؟ الأحرى بها أن تضعه في حقيبة يدها.
ذهبت تبحث في حقيبة سفرها، و جدت هناك حمالة صدر كانت تبحث عنها منذ زمن فاعتقدت بأنها أضاعتها في فندق. نسيت بأنها وضعتها في جيب صغير سري يوجد بحقيبة سفرها.
هكذا هي، كلما أضاعت شيئا تعثر على أشياء أخرى كثيرة تكون قد فقدتها. و لكنها في الغالب لا تجد ما تبحث عنه.
و لكنها، اليوم تريد أن تجد ما تبحث عنه و ليس ما أضاعته و تجاهلته.
هي، تعتبر نفسها صديقة لروحها. تربطهما علاقة انسجام. فلهذا قلما تجد نفسها في سلسلة من اللوم و العتاب. اعترفت بأنها هكذا: فوضوية. و تقبلت نفسها كما هي. و كثيرا ما تتقبل خسائر الفوضى التي تنشرها بروح رياضية.
فهي مستعدة أن تخسر ثمن الطائرة و أن تلغي رحلتها. فما يحصل هو خطؤها.
ذهبت لتعد فنجان قهوة نسكافيه سريعة التحضير. قررت أن تجلس و تفكر بهدوء.
و هي ترشف القهوة، شعرت بالارتياح بفكرة أنها لن تسافر. تساءلت لماذا؟
تذكرت أن أمها مريضة، و هي لا تريد أن تتركها لوحدها. هاتفت أمها.
سألتها : - كيف تشعرين؟
- الحمد لله. بدأت أتحسن.
- أخبريني أمي صدقا. هل يمكنني أن أسافر و أتركك.
- طبعا، بنيتي. أنا أعاني فقط من نزلة برد. و اليوم أشعر بتحسن كبير. ماذا تعتقدين؟
- أووه أمي، أشعر بالقلق اتجاهك.
- ابنتي، أنا بخير. أعرف ذلك. سافري و أحضري معك الشوكولا التي أحبها.
"الشوكولا التي تحبها أمي. نعم تذكرت، لقد وضعت جواز السفر في علبة الشوكولا التي تحبها أمي لأتذكر كلما سافرت أن أشتري لها نفس علبة الشوكولا". هكذا صرخت بابتهاج في أعماق روحها.