recent
جديد المدونة

سر الانضباط

 سر الانضباط

يملك الإنسان أسلحة و أدوات ليواجه بها تحديات و صعوبات الحياة. و هذه الأسلحة و الأدوات الناجعة في الغالب تكون ذاتية محضة و هي فطرية  أودعها الله فيه و ما عليه إلا أن يطورها و يجعلها تنمو كالعضلات في جسمه. 

فالإنسان يدرك بأنه عليه أن يتمرن ليكتسب القوة  في العضلات أو المرونة في جسده، و يعلم بأنه عليه أن يدرب عقله و ذاكرته حتى لا تضمحل قدراته الذهنية.

و لكن معظمنا، لا يعتقد بأن عليه أن يدرب نفسه لتكتسب بعضا من الصفات كالصبر و رباطة الجأش و الحلم و الحكمة. فنحن نعتقد بأن تلك الصفات النفسية هي فطرية و لا تحتاج إلى الاكتساب أو لنقل بأننا لا نقوم بأي مجهود لاكتسابها.

هذا مع العلم، أن الكثير من الأفلام و من الكتب تحكي عن أشخاص خاضوا تجارب و تمارين شاقة ليتعلموا الحكمة و الصبر.

و اكتساب الصفات النفسية الداخلية من أصعب التمارين مثلها مثل الرياضة البدنية الشاقة، و لكنها تمنح الإنسان القدرة على مواجهة الحياة و الاستمتاع بها و النجاح فيها.

و من أهم الصفات التي على المرء أن يسعى لاكتسابها هي صفة الانضباط الذاتي، لما لها من أهمية كبرى في حياتنا العملية.

فالرسول صلى الله عليه قال: " أحب الأعمال إلى الله أدومها و إن قل". إذن الانضباط هو سر قبول الأعمال و محبتها عند الله و ليس الكثرة المتقطعة.

و لكن الكثير منا يجد صعوبة في تعلم الانضباط الذاتي و الالتزام. و ذلك الأمر راجع بالأساس إلى أن الفرد يريد أن يرى النتائج في الحين فيبدأ في رفع سقف الطموح فيلزم نفسه بوعود و أعمال قد يقوم بها ليوم أو أسبوع و لكن أبدا لن يقدر على الالتزام بها دائما.

و السبب الثاني، هو أن الإنسان لا يعطي قيمة للقليل من الأشياء و يحقرها . فهو قد يقلل من قيمة درهم و لا يهتم بادخاره بدعوى أنه لا قيمة له، و قد يقلل من حفظ ثلاث آيات في الأسبوع و يتساءل هل سينتظر خمسة و عشرون سنة لحفظ القرآن كاملا؟

فالإنسان و هو يقلل من أهمية العمل الملتزم القليل، ينسى بأن سنوات كثيرة مرت في حياته و ستمر سنوات أخرى و بأنه لو كان التزم بذلك الشيء القليل فإنه بعد كل السنين التي مرت كان سيكون له رصيدا لا بأس به من مقدار المال الذي دخره أو من مقدار الأحزاب التي حفظها من القرآن الكريم أو الكتب التي قرأها أو المشاريع التي أنجزها.

فما هي الأشياء المعينة على اكتساب صفة الانضباط إذن؟

أولا: التركيز على صفة الانضباط الذاتي

فإذا كنت من النوع الذي لا يجيد الانضباط في حياته. ابدأ بتعلم صفة الانضباط أولا قبل أن تبدأ باستعمالها كأداة لك في الحياة. فعندما يريد الإنسان أن يدافع على نفسه بالمسايفة أو المصارعة الحرة فهو يبدأ أولا بتعلم رياضة المسايفة أو المصارعة و لا يبدأ باستخدامهما و هو لا يجيدهما. 

إذن ليكن هدفك في البداية تعلم صفة الانضباط نفسها. و من أجل ذلك، ابدأ بأشياء تحبها، و ابدأ بدقائق معدودة، لتكن دقيقة واحدة في اليوم أو حتى نصف دقيقة.
فقل مثلا مع نفسك، سألتزم بمشاهدة سلسلتي المفضلة و إنهاؤها في عشر أيام أو سألتزم بالتسبيح لمدة دقيقة واحدة يوميا، أو سألتزم بقراءة عشر دقائق يوميا.
ابدأ بأهداف صغيرة جدا جدا و تأكد بأنك ستقدر عليها. و هذه التمارين يمكن تشبيهها بالحصة الأولى من حمل الأثقال، حيث تبدأ بأوزان صغيرة جدا قادر عليها. و الغرض من ذلك فقط أن تشعر بأن لديك عضلات و يمكنك تكبيرها.
فالهدف من هذه التمارين الذاتية هو أن تشعر بأن لديك صفة الالتزام بداخلك و بأنك يمكنك أن تعمل على صقلها و تطويرها.


ثانيا: استشعر السعادة و الهبات التي تحصل عليها بفضل الانضباط

عندما ستبدأ في التركيز على صفة الانضباط، و عندما ستبدأ في اكتسابها و تطبيقها و لو بدرجات صغيرة جدا فإنك ستبدأ أيضا في استشعار فائدتها، كقدرتك على إنهاء سلسلتك التلفزيونية و استفادة أكبر من وقتك، و قدرتك على الإنجاز سترتفع، و تقديرك لذاتك سيرتفع و الأهم من ذلك و هي أنه رويدا رويدا ستبدأ تشتغل على مشاريع ظلت لزمن كبير عالقة لأنه كانت تنقصك القدرة على الالتزام و الانضباط. 

ثم صفة الانضباط، ستجعلك تتطور مع الوقت، لأنها صفة مبنية على التراكمات اليومية البسيطة و ليس المجهود المضني الشاق.

فربما في الشهور الأولي لن تشعر بفارق كبير، و لكن تأكد أنه بعد ثلاثة أشهر ستبدأ تشعر بالفرق. و ستبدأ تفهم صدق مقولة " قليل دائم خير من كثير و مقطوع". و ستدرك بأنه لو كانت هناك صفة عليك تعلمها لمواجهة الحياة بروح عالية فهي صفة الانضباط.

لأنك ستتعلم معها صفة الصبر، ثم ستتعلم معها الحكمة لأنك ستسأل نفسك دائما عندما تبدأ في اكتسابها  بدون وعي منك: " ما الذي يمكنني عمله أو الاستغناء عنه لتحسين حياتي؟"

ثالثا: ابدأ الآن  

 حسن، ابدأ الآن و لا ترهق نفسك بأهداف كبيرة. اعتبرها لعبة، أو كأنك في صالة جيم. و ابدأ في تدريب نفسك على الالتزام. اعلم أن هذه الصفة فطرية و تمتلكها فعلا. فنحن عندما تعلمنا المشي، تعلمناه بصفة الانضباط و الالتزام، لأننا واصلنا يوميا تعلم المشي. وكل مهارة تعلمناها في الصغر فإننا تعلمناها عبر صفة الانضباط.
ابدأ بأهداف صغيرة جدا، و لكن التزم بها. و مع سلسلة النجاحات الكثيرة عقلك سيصبح هو حليفك في الانضباط. و هو الذي سيساعدك لتظل منضبطا لأنه سيرى كم أصبحت ناجحا و سعيدا و أنت تحقق الأهداف. و افرح بالأهداف الصغيرة فرحتك بالأهداف الكبيرة. 
هكذا عقلك سيساعدك. فهو في النهاية خادمك و يريد أن يبعد عنك الألم و الخطر، و لكن إذا وجد في الانضباط راحة و فائدة لك فتأكد بأن عقلك سيصبح منضبطا و لن تحتاج بعدها إلى جهد لتلتزم بأهدافك.




سر الانضباط
في الانضباط جمال و تناغم



google-playkhamsatmostaqltradent