تدوين الأحلام
الأحلام لغز غامض. فكثيرة هي الأحلام الغريبة التي تمر بنا. حيث نرى أماكن لم نرها من قبل، و نتحدث بلغات في الحلم لم نتحدث بها مطلقا في الحياة، و نرى أشخاصا لم نصادفهم يوما في الواقع، و نحلم بأنفسنا نطير أونخترق شيئا يصعب اختراقه أو نمشي في الماء.
الحلم أغرب شيء يواجهنا، و خاصة أننا في الحلم نكون منغمسين لدرجة أنه يبدو لنا واقعا بكل تفاصيله. و الأغرب أن الحلم يمر في بضع ثواني فقط. بضع ثواني تبدو لنا في أحيان كثيرة كدهر، بضع ثواني نعبر فيها القارات و البحار. كيف يحصل هذا؟ لا أحد يدري.
يحاول الإنسان أن يجد نظريات و تفسيرات علمية و لكنها تبقى نظريات فقط.
و الله سبحانه قال في كتابه و هو يصور لنا ما يحصل أثناء النوم كنوع من الوفاة، حيث قال سبحانه في كتابه الحكيم " الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" صدق الله العظيم.
إذن يوجد الوفاة و الموت، و الوفاة تحصل حين الموت أو أثناء النوم. فإذا استيقظنا فإننا نكمل الحياة إلى أجل مسمى أو يمسك الأنفس التي قضى عليها الموت فلا تستيقظ تلك الأنفس.
و لهذا، الحلم من أغرب ما يحصل لنا، لأن الإنسان أثناء النوم يكون فيما يشبه الوفاة أو الموت الإكلينيكي، حيث الأعضاء تعمل و لكن الدماغ متوقف، و الروح أو النفس تكون خارج الجسد، فكلمة يرسلها تعني أنها في مكان ما ثم يرسلها الله سبحانه لتكمل مهمتها.
فعالم الأحلام غامض و معجز و حير العلماء و حير عامة الناس و حير الأطفال أيضا. و لكنه أيضا عالم مليء بالتسلية و الثراء الروحي.
و لهذا، إذا أراد الإنسان أن يقترب من هذا العالم، فلا يوجد أحسن من التدوين اليومي للأحلام.
عند البدأ في التدوين، التحدي الذي سيواجهك هو نسيان أحلامك. و عليه عليك بوضع مذكرة و قلم بجانب سريرك بحيث ما إن تستيقظ حتى تبدأ في التدوين. لأن مشكل الحلم ستتذكره لدقيقة أو نصف دقيقة ثم تنساه تماما إذا بدأت في مهام يومك. إذ تتذكره و أنت بين حالة النوم و اليقظة. كشخص وصل إلى المحطة الأخيرة من القطار. و لكن ما إن تنزل من القطار فإنك ستنسى الحلم.
و لكن لو تدربت على التدوين اليومي، فستتعلم كيف تتذكر أحلامك أكثر.
كما أن ما سيواجهك، هو تدوين الحلم نفسه، لأن الحلم ينتقل من اللازمان و اللامكان، و ينتقل من حدث إلى حدث و من موقف إلى موقف، و هناك أحلام تميزها تفاصيل دقيقة، كحذاء ضائع، أو وردة كبيرة لا تشبه النباتات المعتادة. فكيف ستعبر عن كل هذا؟
الرسام "سالفادور دالي" كان يحاول أن يرسم أحلامه. لهذا لوحاته لا تشبه الواقع بتاتا و قد ترى أشياء غريبة جدا في لوحاته.
و لكن لحد الآن و مع أن العلم الحديث يهتم جدا بموضوع النوم و الأحلام، و مع أن كثير من الأفلام و الفنانين و الأدباء أصبح الحلم يلهمهم للإبداع، إلا أنه لا يوجد "أدب الحلم أو فن الحلم" كما يوجد " أدب الواقع أو فن الواقع".
لأن الواقع نسبيا يبدو منظما و إن كان هو الآخر في عمقه فوضوي و يصعب فعلا إسقاطه كما هو بالكلمات أو الألوان. بيد أن الحلم أكثر تعقيدا لأنه لا يمكن فهمه و لا وصفه و لأنه متسارع جدا فبالتالي يصعب استيعابه.
بيد أن التدوين اليومي للحلم، برغم صعوبته، فإنه سيقربك أكثر إلى أحلامك. و لو واظبت عليه، فإنك مع الوقت ستلحظ شيئا عجيبا و هو أن أحلامك نفسها ستتغير و ستصبح أكثر متعة و ثراء و كل ليلة ستحسب نفسك مسافرا إلى عالم مواز للواقع.
كما أن التدوين اليومي للحلم، سيشفيك من الكوابيس، بحيث لن تعود أبدا تخاف من كوابيس الليل بل ستستمتع معها، لأن عقلك الباطن و بتدوينك اليومي للحلم سيبدأ يفهم بأنه يحلم.
ابدأ بتدوين أحلامك، إنها حقا تجربة ممتعة و مشوقة. لن تأخذ منك أكثر من خمس دقائق، و لكنها تجربة ستقربك أكثر و أكثر إلى أحلامك و مكنونات نفسك، و سيصبح النوم بالنسبة إليك أشبه برحلة ممتعة إلى عالم غريب مليء بالألغاز.
![]() |
فوائد التدوين اليومي للأحلام كثيرة، لن تعرفها فعلا إلا إذا بدأت في التدوين الفعلي |