recent
جديد المدونة

استيقظ

استيقظ


 رموش عينيه كانت تتلاقيا . أدرك بأنه كان يرغب في النوم. و لكن صوت كان يسمعه يشبه الصدى يكرر ببطئ " استيقظ... استيقظ...".

لم يستطع أن يميز من أين يأتي الصوت، في البداية تسائل هل يأتي من داخله؟ ثم فكر هل يحلم؟ أم يأتي من الخارج؟ و من أي مكان إذن؟

فالنوافذ كانت موصدة، فهو يكره أن ينام بنوافذ مفتوحة. كان لديه منذ طفولته الهوس بأنه لربما قد تدخل حشرات أو مخلوقات مجهولة و هو مستغرق في النوم. 

في طفولته، كان يكره موعد النوم. كان دائما يتسائل ما الذي يحصل في العالم أو في غرفته الصغيرة  بينما هو غارق في النوم. فكان يبدو له كأن العالم يتوقف و في نفس الوقت لا يتوقف. كان يتوقف عنده هو وحده و عند من يستغرق في النوم مثله. فلا يستطيع أن يعرف ماذا يحصل في غرفته بينما هو غارق في النوم. 

كل صباح كان يتسائل هل مر مخلوق على جسده؟ حشرة ؟ صرصور؟ هل دخل أحد إلى غرفته؟ هل مرت قصة في الليل لن يستطيع عقله أن يدركها أبدا؟ ماذا يحصل بينما كل الناس نيام؟ 

عندما حدثته والدته عن عالم العفاريت و الجن لأول مرة ازدادت كراهيته للنوم. بدا له أن صد النوافذ لن يحميه من مخلوقات تتخطى حاجز الزمان و المكان و الأشياء المادية. ازداد شعوره بالعجز اتجاه النوم يتسع يوما بعد يوم.

كان يجاهد أن يترك عينيه مفتوحتين، و كأنه يفترض أن النوم زائر يريد أن يلتقيه و هو واع و مستيقظ. و لكن كان دائما يستيقظ في الصباح و هو يتسائل كيف نام و متى زاره النوم و لماذا لم يشعر به. فيواعد نفسه بأنه في تجربته القادمة مع النوم سيكون أكثر يقظة و سيميز من يكون هذا " النوم" الذي يزوره كل ليلة و لا يستطيع أن يعرف كنهه. 

و لكن في كل مرة، كان يغلبه النعاس بدون أن يدرك متى و لا كيف و لا من جعله ينام. 

عندما أخبرته أمه بملك الموت عزرائيل و بأنه هو المسؤول على أن يزهق أرواح البشر. تبادر إلى ذهنه هل يوجد " ملك النوم"  كما يوجد "ملك الموت"؟ ألهذا السبب مهما حاول أن يظل مستيقطا ليفهم كيف ينام يهزمه "ملك النوم".

الأطفال لديهم ملكة رائعة في قدرتهم على التأرجح بين الخيال و الواقع. و لهذا وقتها اقتنع بفرضية " ملك الموت"، و راح كل ليلة يتسائل إلى ماذا يشبه هذا الملك و لماذا هو عاجز عن رؤيته. 

و لكنه آمن بوجوده و أجزم بأن الملك يراه حتى لو كان هو لا يراه و إلا كيف يجعله ينام؟

فتعلم بدل أن يترك عينيه مفتوحتين، أن يغلقهما. ثم أن يتحدث مع ملك النوم. في البداية كان يقول له بصوته الطفولي: امي لم تخبرني عنك. و لكن أعرف بأنك موجود و أعرف بأنك ستأتي و أنا أنتظرك و أريد أن نكون أصدقاء. لا يعجبني عندما تأتي إلي بغتة و تجعلني أغط في النوم. 

ثم تعلم أن يحكي له كل ما وقع معه في اليوم. و أن يشتكي له ما كان يريد أن يفعله و لم يقدر أن يفعله.

في أحد الليالي باح له بحزنه الشديد لأنه كان يريد أن يلعب مع أصدقائه كرة القدم و لكن والدته منعته بدعوى بأنه مازال صغيرا و لن يقوى على اللعب.

في صباح ذلك اليوم، شعر بسعادة كبيرة و تيقن بأن "ملك النوم" صديقه  و يجيبه بطريقته الخاصة. لأنه حلم بأنه كان يلعب كرة القدم مع أصدقائه، و بأنه حقق أهدافا عدة، بل حلم بأنه كان يطير و يقفز فوق الجميع و الكرة ثابتة في قدمية ليقذفها و هو في السماء لتدخل في المرمى.

عندما استيقظ ظل متذكرا الحلم. و هو كان يجزم بأنه لم يكن حلما بل كان يشعر به أكثر حقيقة من الحقيقة حيث كان يطير بسهولة و يسر ويقذف بمهارة خارقة.

ما الذي جعله يتذكر ماضيه مع النوم؟ لا يدري. ربما هذا الصوت العميق الذي يدعوه بأن يستيقظ. 

ظل مذهولا لبرهة من الزمن، لقد أنقذه صديقه " ملك النوم" مرة أخرى. هذه المرة أيقظه بدل أن يتركه يغط في النوم. ففي منزله كانت تنبعث رائحة حريق. 


استيقظ

استيقظ! إن الشمس أشرقت من جديد.





google-playkhamsatmostaqltradent