![]() |
الإنسان يتفاعل باستمرار مع محيطه |
...الإنسان يتأثر و يؤثر
عندما درسنا قانون القوة في الفيزياء في السلك الثانوي، أخبرنا الأستاذ أن الجسم "أ" يمارس قوة على الجسم "ب" و الجسم "ب" يمارس قوة على الجسم "أ". بدا لي ذاك القانون أنذاك مدهشا و عجيبا. و طيلة اليوم كنت أتأمل الأشياء و الأشخاص أمامي، و أردد مع نفسي باستغراب: الحائط يمارس تأثير علي و أنا أمارس تأثير على الحائط - الأستاذ يؤثر علي و أنا أؤثر على الاستاذ - الطاولة تؤثر علي و أنا أمارس تأثير على الطاولة - التفاحة تؤثر علي و أنا أيضا أؤثر فيها...
ظللت اليوم بأكمله أفكر في هذا التفاعل الذي يربطنا مع جميع الأشياء و مهما كانت المسافات، إذ التأثير يقل عند ابتعاد المسافات و لكنه لا يضمحل تماما، فهو دائما موجود و لكن فقط بالكاد يمكن الشعور به. و لكنه مع ذلك موجود.
يا له من قانون عجيب أن تكتشف بأن كل شيء في الكون يؤثر فيك و بأنك أنت أيضا تؤثر في كل شيء في الكون.
اليوم، كثيرة هي المفاهيم و المدارس في التنمية البشرية، التي هدفها هو فصل الإنسان عن محيطه، أو أن تجعله أقل تأثيرا بمحيطه. فمثلا التأملات، ممارسة الصمت، إدارة المشاعر، تعلم فن التركيز، تصفية الذهن،... و تقنيات أخرى كثيرة، لو نظرنا إلى هدفها الحقيقي أو كيف تعمل، فهي ببساطة تهدف إلى أن يصبح تأثير الأجسام الخارجية عليك ضعيف. أي أن تكون أنت الجسم القوي الذي سيؤثر أكثر على الجسم المقابل.
و لكن من الناحية النظرية، يبدو ذلك ممكنا. و لكن من كم التفاعلات اليومية يبدو ذلك صعب جدا في التطبيق. اللهم إذا ذهب الإنسان و عزل نفسه في جبل أو في قرية نائية. و لكنه هو بهذا فصل نفسه كليا عن العالم او عن عدد الأجسام الذي ستؤثر فيه.
و لهذا الرسول صلى الله عليه قال في حديث له بأن المسلم الذي يخالط الناس و يصبر على آذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على آذاهم. لأنه في هذه الحالة سيتعرض إلى كثير من القوى الخارجية و عليه أن يتعامل معها بحكمة و صبر.
و مادمت حيا فإنك ستتفاعل مع الوجود مهما حاولت أن تفصل طاقتك عنه، و أن تضع حاجزا واقيا على هالتك، و أن تفكر بإيجابية. لأن الله خلقنا هكذا. فالرسول صلى الله عليه و سلم و هو أحسن البشر، و في آيات كثيرة كان الله سبحانه يخاطبه بألا يحزنه قول الناس، أو بأن لا يفقع نفسه عليهم و بألا يخشى الناس و الله أحق بأن يخشى.
إذن فتفاعل الإنسان مع أخيه الإنسان، حزنه مما يقول، الخوف من غضبه و رأيه السلبي عنه، محاولة هداية من يحب إلى حد إيذاء نفسه، هي تفاعلات و ردود أفعال و جدت في الإنسان. و لكن الله سبحانه و تعالي عبر قصص الأنبياء و الرسل يعطينا الطرق الصحيحة لنتفاعل بطرق سليمة مع البشر و مع الوجود حتى لا نتأثر سلبا، بل نعيش حياة متدفقة و إيجابية.
فالحل ليس بأن يفصل الإنسان نفسه عن الوجود و عن الناس لأنه لا يتحمل تأثيرهم عليه، فالله سبحانه و تعالى خلق فينا التدافع و لولا التدافع لفسدت الأرض. و لكن الحل، هو أن نتحلى بالقوة و الصلابة الذاتية لأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.