قد يرى البعض الوصول إلى قمة الجبل نجاحا و قد يراها البعض تعب بدون طائل مادام ليس من ورائها قصد |
يسيطر على الإنسان الكثير من القلق ، و هو يتساءل هل يمكن أن يعتبر نفسه إنسانا ناجحا. فيبدأ يقارن نفسه مع الآخرين، و يبدأ يحسب عدد ممتلكاته و عدد أبنائه و ماذا فعلوا في حياتهم، و يفكر في أصدقائه، و في جيرانه، و في المحيطين حوله. و في الغالب، سيشعر بعدم الرضا عن حياته. و سيفكر بأنه لم ينجح كما يجب. لأن الإنسان هكذا، لا يريح و لا يستريح، و لا يعجبه العجب، إلا من رحم ربي و من آتاه الله الحكمة و السكينة.
النجاح ارتبط بكل ما هو مادي، و ارتبط بالنتيجة. فالإنسان يعتبر نفسه نجح إذا وصل إلى ما يريد. بيد أن ما يريد هي بيد الخالق. و هنا يبدأ توتر الإنسان.
لأن الإنسان في الأصل بيده السعي، أما النتيجة فهو لا يمكن أبدا أن يتحكم بها. لأنها مرتبطة بعوامل هو غير مسؤول عنها إطلاقا كالجفاف أو الإحتراق أو الكوارث الطبيعية او ازمة اقتصادية أو نشوب حرب أو مرض و ما إلى ذلك...
بيد أن الإنسان كائن عجيب حقا، فهو بدل أن يركز على ما يمكنه أن يتحكم فيه أي السعي و العمل و القصد و التوسل بالدعاء و الرجاء، فإنه طول عمره يتطلع فقط إلى النتائج و ينظر فقط إلى ما عند الآخرين و ما حققه الآخرون. و لهذا يشقى طيلة حياته و هو يشعر بالفشل و الإحباط.
لأنه ببساطة، يتدخل في عمل و شؤون الخالق، و يتجاهل واجباته و شؤونه الخاصة.
فبدل أن يقوم بما عليه هو القيام به فقط تاركا للخالق إدارة الأمور، فإنه يحاول أن يتوقع النتائج و يحاول أن يتوقع المستقبل و أن يتوقع ما يمكن أن يكون. فيضيع وقته في التخمينات و التأويلات و الأماني بدل أن يركز على العمل و السعي.
فهل يمكن تقييم النجاح؟
يصعب جدا تقييم النجاح كما يعتقده البشر، فقد يبدو لنا شخصا غنيا ناجحا و لكن إذا كانت طريقة اكتسابه للمال مبينة على تدمير البشر و الأرض فهل يمكن اعتباره فعلا شخصا ناجحا؟
إذا كان الإنسان في تحقيق رغباته سلك طريق الشيطان، فهل يمكن اعتباره شخصا ناجحا؟ الله سبحانه أكد في أكثر من آية بأن ذلك الإنسان سيكون شقيا.
فهل يمكن أن يكون الإنسان ناجحا و شقيا؟ أم أن أصل النجاح هو أن يكون الإنسان سعيدا و راضيا و في سلام داخلي؟
الإنسان في عصرنا الحالي يحاول أن يجيب على كل شيء بطريقة مادية، فتجده يريد أن يبرهن للناس قبل نفسه بأنه ناجح بأن يضع في الأنتيرنيت صور لسيارته الفارهة و للمطاعم و الأماكن الفاخرة التي يزورها. و هو بهذا يريد أن يثبت للآخرين و من ثم لنفسه بأنه ناجح. و لكن هو يدرك في قرارة نفسه بأن النجاح غير مرتبط بجودة الطعام و الشراب و المسكن فقط.
و كل قد يرى منظورا مختلفا عن النجاح. فهناك من سيبدو له بأن النجاح هو في القرب من الله و طاعة أوامره، و هناك من سيرى النجاح في الأسرة، و من سيرى النجاح في التقدم في العمل، و هناك من سيبدو له النجاح متمثلا في الحساب البنكي، و هناك من سيبدو له النجاح في الحياة مرتبطا بالحب، و هناك من سيقول أن النجاح هو في كل هذا...
و لكن كل هذه تصورات، فالإنسان ينظر إلى ما لا يملك و ليس ما يملك. فالسعيد في أسرته و لكنه فقير ماديا سيبدو له المال أهم. و البعيد عن الله قد يبدو له النجاح و الخلاص في قربه من الله. و المتعبد الذي لا يعمل قد يبدو له النجاح في الإنتاج و العمل.
و لكن، يبقى السؤال كيف يمكن للإنسان أن يقيم النجاح و هل يمكن أصلا تقييم النجاح ؟ لأنه في النهاية الله وحده الذي سيحكم بيننا يوم القيامة. أما الإنسان فهو عاجز تماما عن فعل ذلك لأنه تغلبه الأهواء و النوازع و الرغبات، و حكمه للنجاح سيكون حكما ذاتيا و مزاجيا و غير موضوعي.