![]() |
عمق البحر هادئ حتى لو تلاطمت الأمواج في ظاهره بصخب |
من أين يأتي السلام الداخلي؟
تتلاطم الأمواج فوق الصخور، تحدث صخبا و ضجيجا، تعلو و تهبط. من يتأمل البحر سيشعر به دائما هائجا ثائرا متمردا. و لكن ما إن تغطس في أعماقه فإنك لن تجد أمواجا، لن تجد صوتا، لن تجد صخبا. فقط هدوء و سكينة. و ذاك هو السلام.
أنفسنا تشبه البحر، الأحداث و الحياة من حولنا تشبه الأمواج. و لهذا في السطح، ستتلاطمنا الأحداث من كل صوب. ستأخذنا الحياة شمالا و يمينا. موجة من هنا و موجة من هناك. حدث من هنا و حدث من هناك. كلمة من هنا و كلمة من هناك.
و تماما كالبحر، لو ظللنا نتأمل فقط في سطحه فإننا أبدا لن نحصل على السلام و السكينة. و تماما كالبحر لا يمكننا أن نغوص في أعماقه إلى ما لانهاية.
و كذاك السلام، لا يمكننا أن نحصل عليه إلا إذا غطسنا داخل أنفسنا. و لكن، كالبحر لا يمكن أن نقضي حياتنا بأكملها و نحن غاطسون فقط في أنفسنا.
فكما أن أجسادنا لم تخلق لتعيش في الماء إلى الأبد، كذلك أرواحنا لم تخلق لتغطس فقط في أعماق أنفسنا. لا بد أن تطفو إلى سطح الحياة من جديد. و تعيش صخبها ثم تعود إلى الأعماق لتتذكر السلام.
السلام يأتي عندما نعي هذه الحقيقة. عندما ندرك بأن البحر رغم هيجانه ففي أعماقه يوجد سلام و هدوء و صمت.
السلام يأتي، عندما ندرك أن السلام يوجد في أعماق أنفسنا. و بأن صخب الحياة و الأحداث عابر و في نفس الوقت، هو إيقاع لا و لن ينتهي.
تماما كما أنك لا يمكن أن تتخيل بحر بلا إيقاع المد و الجزر، فأيضا لا يمكنك أن تتخيل نفس بلا إيقاع الحياة. بلا أحداث تأتي و تمضي.
و لهذا لا يمكنك أبدا ربط السلام بالأحداث، أو بالإيقاع. فالإيقاع يبقى إيقاعا، سواء أكان صاخبا أو هادئا أو مثيرا. هو فقط إيقاع. أما السلام فيوجد في نقطة من وراء الإيقاع.
لهذا كل من يحلم بأنه سيحصل على السلام لو قام بتغيير الأحداث أو قام بتغيير الأشخاص أو حتى تغيير نفسه فهو لن يصل أبدا إلى السلام. لأن السلام موجود أصلا و يكفي أن تدرك بأنه موجود و لا علاقة له البتة بهذه الأشياء.