recent
جديد المدونة

الانتقال من الفعل إلى الكينونة

 
من الفعل إلى الكينونة

كن فقط و ستكون


الانتقال من الفعل إلى الكينونة

 كثيرا ما نجد الإنسان ينتقل من فعل إلى فعل. و ينغمس في الأحداث غير قادر على أن يتناغم فقط مع الوجود و يعطي لكينونته الحق في الظهور. بينما، إذا تأملنا العالم من حولنا، سنجد أن كل شيء سمح لنفسه بالتعبير على كينونته. فالصخرة تعرف أنها صخرة ليس بشكلها و لكن بكينونتها: قد تكون صلابتها، قوتها، سر تلمسه و لكن لن تقدر على التعبير عنه.

و يوجد فنانون، حاولوا أن يدرسوا من أين تستمد الأشياء من حولنا كينونتها؟ فجرب فنان أن يرسم تفاحا أزرق. و إذا نظرت إلى اللوحة، فإنك ستكتشف بتعجب أن التفاح حافظ على كينونته و ستتعرف على هويته كتفاح مع أن لونه تغير. 

إذن ليس اللون و لا حتى الشكل الذي يحدد كينونة الأشياء المحيطة حولنا.

و كذلك الإنسان، فما يحدد كينونتنا شيء أعمق و يوجد بداخل كل إنسان. و ليس له علاقة بشكله أو أفعاله.

و لكن الإنسان، هو أكثر كائن يهرب من كينونته عبر الفعل. فتجده ينتقل من فعل إلى فعل، و لا يسمح لنفسه بمساحة فراغ تبرز فيها كينونته. فحتى الاسترخاء نفسه يحوله إلى فعل أو إلى تمرين و إلى شيء واجب عليه فعله.

بينما الكينونة هو شيء عفوي و فطري، فتخيل لو كان الإنسان في كل حركة تنفس يصرخ مع نفسه حسن الآن علي أن أقوم بالشهيق و الآن بالزفير. من الأكيد، كان سيشعر بالإرهاق و التوتر في أكثر عملية فطرية و آلية في الوجود و هي التنفس.

فالإنسان، يرهق نفسه كثيرا في الفعل، بدل أن يستسلم فقط لكينونته و أن يحاول الانتقال من الفعل إلى الكينونة. فالحياة هو أكثر شيء فطري، و الإنسان لا يحتاج إلى كثير من الأفعال ليبرهن لنفسه بأنه حي. و لكن في أحيان كثيرة، كثرة الأفعال ستحرمه من الإحساس بسر و بهجة الحياة لأنه سينتقل إلى توتر الفعل من أجل الفعل.

فهو يعتقد بأن قيمته في الأفعال التي يقوم بها. فيحاول أن ينجز الكثير من الأشياء حتى لو لم تضف إليه قيمة حقيقية في وجوده كإنسان. و يحاول أن يمتلك الكثير من الأمور حتى لو لم يكن سيحتاج إليها و لن يستعملها.

و هو بهذا، فقط يحاول الهروب من السؤال الوجودي الذي يعجز عادة عن الإجابة عليه: من أكون؟

و هكذا، ستجد الإنسان المعاصر بدل أن يستريح في العطلة، فإنه يبرمج الكثير و الكثير من الأنشطة في عطلته السنوية. فتتحول العطلة نفسها إلى إرهاق و واجبات و التزامات.

فهو يشعر بتأنيب الضمير و التوتر إذا جلس فقط مسترخيا لا يفعل شيء، أو يتأمل في وردة ، أو يشاهد عصفور أمامه، أو يستمتع بسماع قطعة موسيقية، أو يشم رائحة عطر مر أمامه.

فمثل هذه الأشياء البسيطة و العفوية، ستشعره كمن لا يفعل شيء و يضيع وقته. بينما هي في العمق ستربطه مع كينونته وستساعده في التواصل مع روحه عبر إعطاء مساحة لحواسه أن تكون.






google-playkhamsatmostaqltradent