السعادة تنبع من الداخل |
كيف لا أقع في فخ السعادة؟
السعادة تشبه ذلك الفردوس المفقود، الذي يبحث عنه الناس بشتى الطرق و لكن كل من بحث عنه لم يجده. و لا يجده إلا من لا يبحث عنه أصلا.
و لكن ماذا نقصد بعدم الانغماس في الذات؟فالسعادة فخ و وهم نسقط فيه. و كل من يفكر فيه و يحاول العثور عليه فهو في الأصل ليس سعيدا. و إلا لم يفكر و يبحث عنه؟
و السبب هو أن كل من يفكر في السعادة أو يبحث عنها، هو إنسان منغمس كليا في ذاته. و لكنك لن تصل إلى السعادة إلا عبر نسيان الذات و الانغماس في الحياة نفسها و في مشاركة الآخرين.
و لكن كيف لا ننغمس في ذواتنا؟
هي ألا نجعل نفسنا هي مركز الكون. و كل ما نحاول القيام به أو كل ما يقوم به الآخرون عليه أن يكون منصبا علينا نحن فقط.
قد يطلق الناس على هذا السلوك وصف الأنانية. و لكن معظم الناس ليست لهم النية في أن يكونوا أنانيين. هم فقط يبحثون على أن يكونوا سعداء. فيقعون في فخ السعادة ليتحول بحثهم المستميت إلى شقاء في ذاته.
نسيان الذات و نكرانها لا يعني التضحية أو عدم حب الذات. أبدا، و لكن يعني أن توجه بوصلتك الداخلية نحو جوهر و شساعة الحياة نفسها، نحو المشاركة الوجدانية للآخرين، نحو الإعتقاد الراسخ بأننا خلقنا من نفس واحدة، و هذا يعني كل الأنفس من حولي هي أيضا أنا بطريقة ما. هذا يعني، بدل من أن أجعل من قصة حياتي و معاناتي قصة استثنائية، أنظر إليها كقصة لا تختلف عن ملايير القصص التي مرت في كوكب الأرض، و ملايير من القصص الأخرى التي ستمر.
عدم الإنغماس في الذات، يعني الإستمتاع بالحياة و الإستمتاع مع الآخرين كأنهم جزء منا. فلا نقارن أنفسنا معهم أو نقسو عليهم أو نغار منهم. بل على العكس، نشاركهم في الحياة، و نستفيد و نتعلم معهم و منهم، و نتعلم كل يوم شيئا جديدا، و نستمتع في اكتشاف الحياة حولنا من أشخاص و مباني و نباتات و عصافير و نجوم و سماء شاسعة.
فكل تفصيلة في الحياة، قادرة على أن تمنحنا السعادة و البهجة. و لو تأملنا في الأطفال الصغار لتعجبنا من انبهارهم بأبسط الأشياء لأنهم يرونها لأول مرة. فربما قطعة صغيرة من الورق في الأرض ستثيرهم لمدة نصف ساعة. و هم يلمسونها و يرونها و ربما يؤلفون قصصا خيالية حولها. و لهذا تجد الأطفال مبتهجين، لأنهم لم يفقدوا شغفهم بالحياة و رغبتهم في اكتشاف أسرارها.
و لكن عندما ينغمس الإنسان في ذاته، فإنه سيجد صعوبة في أن يتأمل و يفكر فيما حوله من جمال. و لهذا قد يمر يوميا أمام شجرة جميلة، دون أن يفطن لوجودها. لماذا؟ لأنه غارق في بحر نفسه فحجبت عنه رؤية العالم من حوله و بالتالي استشعار السعادة و البهجة في نبض الحياة من حولنا.