من تكون؟
من الأسئلة التي نجد صعوبة في الإجابة عليها إذا سألنا أحدهم هي : "من تكون؟" أو حدثنا عن نفسك.
ففي الغالب سيتحدث المرء عن مدينته، عائلته، دراسته، ما يملك من مال، نسبه و لكنه سيتجنب التحدث عن كينونته أو من يكون حقا.
و كثيرا ما نسمع كلمة كينونة، و نجد صعوبة في وصفها أو فهمها إلى أن حضرت دورة مفيدة جدا في المنصة التعليمية إدراك حول الذكاء العاطفي و الذات، ففهمت بأن من نكون يتلخص في الكلمات الثلاث التالية: مشاعر- أفكار -سلوك.
فمشاعرنا الداخلية من غضب أو بهجة أو رضا أو امتنان أو يأس أو أيا ما كانت ستولد أفكارا أو معتقدات و من تم تلك الأفكار أو المعتقدات ستتحول إلى سلوك. و هذا السلوك سيظهر للعموم على شكل من نحن، فسيرانا الناس بينما قد نكون عاجزين عن رؤية من نحن حقا.
لنفترض بأن بداخلي مشاعر من الرضا و الامتنان، في هذه الحالة معتقداتي أو أفكاري أو حديثي الداخلي و الخارجي سيكون ممتلئا بحسن الظن بالله و بالتفاؤل و بأن أرى الخير في كل ما يحدث لي و عليه فسلوكي سيكون مقبلا على الحياة و سأكون كثير التبسم و بشوشا و سأنشر الخير من حولي.
و لنفترض الآن مثلا بأن مشاعري في الداخل مليئة بالغضب و الحنق، إذن أفكاري ستكون مركزة على الظلم و على الشر الموجود في العباد و الأشياء و سلوكي سيغلب عليه الهجوم و العداء و سوء الظن و سلوكي سيكون مندفعا و متهورا وبه طاقة كبيرة من العداء.
و لنفترض مثلا بأن مشاعري أصابها اليأس و الإحباط فمعتقداتي و أفكاري في الداخل و في الخارج ستنصب على نقصان الفرص و على وجود الزبونية و المحسوبية و بأن الإنسان عاجز وفاشل و لا يستطيع شيئا، و عليه فسلوكي سيغلبه الضعف و الهون و عدم فعل شيء و الاستسلام للنوم.
إذن، من الطبيعي، أن نجد صعوبة في فهم من نكون حقا. لأننا في تغير مستمر مع الأحداث و مع المشاعر و الأفكار. فكم من فرد كان في الضلال و رجع إلى الهدى و كم من فرد انتقل من النور إلى الظلمات.
كيف يحدث ذلك؟ يكفي أن يتغير طرف من الأطراف الثلاث لنتغير كلية. فقد يتغير سلوكنا بحكم أننا وجدنا أنفسنا في و ضع لا يسمح لنا أن نحبط أو نغضب و إلا سنموت أو سنفقد أشياء كثيرة فسنبدأ في تغيير السلوك و ستتغير الأفكار و المشاعر.
فكم من أشخاص تغيروا إيجابيا عندما خاضوا تجارب قاسية كالحرب أو السجن أو الفقد في البراري أو بين الثلوج. فهناك فهموا بأن إلقاء اللوم على الآخرين أو الصراخ لا ينفع شيئا و عليهم تحمل المسؤولية ليستمروا في الحياة فاختاروا تحمل المسؤولية ليستمروا أحياء.
و كم مرة، يحصل للإنسان حدث ما فيجعله يغير معتقده بالكامل فتتبدل نظرته لرؤيته للأمور فتتغير مشاعره و يتصالح مع ماضيه أو مع الأشخاص فيتغير سلوكه.
كما أن الإنسان إذا قام بعملية إفراغ لمشاعره العالقة و المكبوتة بداخله و حرر فائض طاقاته المخزونة فإنه سيشعر كمن ولد من جديد و ستتغير أفكاره و سلوكياته من تلقاء نفسها.
فكينونة الإنسان غير ثابتة بالمرة و هي في تغير مستمر. و مهمة الإنسان أن يتطور و يتوسع و يتجدد يوميا فكأنه كل يوم يولد من جديد. فالرسول صلى الله عليه و سلم كان يستغفر كل يوم مائة مرة و هو المنزه الطهور القلب، و أمرنا الرسول صلى الله عليه أن نكثر من الاستغفارحتى نتبرأ من كل سلوك سلبي قامت به جوارحه فنبدأ يوما نقيا من كل شعور أو معتقد أو سلوك سلبي و ننام و كأننا ولدنا من جديد.
![]() |
عندما يجلس الإنسان وحيدا مع ذاته مثل هذا العصفور سيصبح قادرا على اكتشاف من يكون |