" أنا أختار إذن أنا موجود"... و لكن ماذا أختار حقا؟
" أنا أختار إذن أنا موجود" ، إنه الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، الذي رد على مقولة ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود" بهذه المقولة الشهيرة.
و كأنه يريد أن يقول بأن جوهر الإنسان ليس في التفكير و لكن في إرادته الحرة و قدرته على الاختيار.
و لكن، هل للإنسان حقا الحرية في الاختيار؟
الإنسان يختار فقط من بين الأشياء التي يعرفها، أو من بين الأشياء المتاحة له. و عليه فاختياراته تبقى محدودة للغاية.
هذا مع العلم أن " فاديم زيلاند" تحدث عن فضاء الاحتمالات و عن إمكانات الإنسان اللامحدودة و أن فضاء الاحتمالات لا نهاية له، و في كل خيار تختاره تصنع قصة خاصة.
و لهذا و رغم أن الكرة الأرضية مر بها ملايير من النسمة، إلا أنه يستحيل أن تسمع عن شخصين عاشا القصة نفسها في أدق التفاصيل. لماذا؟ لأنه ببساطة الإنسان له حرية الاختيار. و قصتنا يمكن أن تختلف في أشياء تافهة مثل لون الكنبة التي نجلس عليها كل يوم و نحن نجتر الأفكار نفسها، أو شكل الكوب الذي نشرب فيه قهوة الصباح.
قد تتشابه قصص الكثير منا في العمق و لكنها حتما ستختلف في التفاصيل.
إذن، إذا مر ملايير من النسمة في الكرة الأرضية منذ وجود آدم، و لا أحد يحمل البصمات نفسها أو الصوت نفسه أو القصة نفسها فلا بد أنه فعلا توجد ملايير من الملايير من احتمالات في الاختيار.
و لكن، و مع ذلك و على أرض الواقع قلائل جدا من يشعر بأنه فعلا من يمتلك هذه القدرات اللامتناهية من الاختيارات. فمعظمنا يشعر بأنه عالق في اختيارات بعينها و يعيد نفس القصة كل يوم.
ما هي إذن الأشياء التي تجعلنا نتوسع في مسألة الاختيار؟ و كيف يمكننا أن نخرج من خياراتنا المعتادة لنجرب إمكانيات حياة جديدة؟
1. المعرفة
كلما توسع الإنسان في القراءة و الإضطلاع كلما كان قادرا على أن يتوسع في اختياراته. و لهذا كل الثقافات و كل الأديان نادت بالمعرفة و العلم و التعلم كوسيلة للخروج من الظلمات إلى النور، أي بعبارة أخرى من أفق ضيق إلى أفق واسع رحب.
2. الفنون
المسرح، السينما، الرسم، النحت، الموسيقى، الرقص و الفنون عموما من الأنشطة التي تجعل العقل متفتحا و مستقبل جيد لخيارات جديدة. فهي تداعب مشاعر و حواس الإنسان و تساعده على نسف معتقداته القديمة.
3. السفر
السفر و زيارة أماكن مختلفة و رؤية أشخاص آخرين تعطي للإنسان حافزا لتغيير خيارات حياته و استقبال خيارات جديدة,
فالسفر يمكنك من التعرف على حضارات و ثقافات مختلفة و يجعلك قادرا على مراجعة نفسك باستمرار و مراجعة ما كنت تعتقده في الماضي من المسلمات.
4. تغيير العادات
تغيير العادات باستمرار سيمكنك من تغيير قصة حياتك وواقعك باستمرار، فالتركيز على بناء عادات بدون أن تكون أسيرا لتلك العادات سيمنحك خيارات جديدة باستمرار.
و هنا أحيلك على مقال " عادة ألا تكون لك عادة"، حيث يظهر المقال أهمية أن تكون لك عادة شريطة ألا تحولها إلى روتين ممل بل عليك أن تطورها و تغير منها باستمرار.
إذن، هذه بعض الوسائل يمكن أن يستخدمها الإنسان لتوسيع نطاق خياراته. و الفرق بين الإنسان الواعي أو الحاضر يكمن في بالضبط في قدرته الواعية على الاختيار و ليس الاختيار بطريقة آلية و روتينية بدون تفكير و وعي.
و لهذا يصعب أن نقول بأنه يوجد إنسان واعي وعيا كاملا، لأنه لا يوجد إنسان يختار بوعي كامل أدق تفاصيل يومه. و لكن عليه أن يعمل باستمرار في اتجاه الاختيار الحر أو على الأقل أن يكون مدركا في كل لحظة بأنه يختار و بأنه عند اختياره لتلك اللحظة فإنه قد نسف باقي الاحتمالات الأخرى.
![]() |
الإنسان في رحلة دائمة نحو اختيار المجهول, لأنه لا يوجد خيار واحد مضمون. |