عادة ألا تكون لنا عادة
" علينا أن نمتنع عن الكثير من الأشياء التي ندمنها على اعتبار أنها أمور جيدة. و إلا ستنتهي شجاعتنا، و التي كان يجب أن تجدد نفسها باستمرار. و سنفتقد عظمة الروح، و التي لن تتميز إلا إذا احتقرت ما يعتبره غالبية العامة الأمور الأهم" الفيلسوف الرواقي سينيكا.
قوة العادات.. اكتساب عادات إيجابية..الاهتمام بالعادات الذرية الصغيرة.. التعرف على أسرار عادات الناجحين..هذه الأشياء أصبحت من أقوى نصائح مدربي التنمية البشرية لدرجة أنه لم يبق لهم إلا أن يرفعوا شعار: " قل ما هي عاداتك أقول لك من أنت".
و لكن حسب الفيلسوف الروماني سينيكا فإن اكتسابك للعادات مهما كانت جيدة، فإنه سيفقدك شجاعتك و روحك.
مقولة سينيكا، جعلتني أفكر في روح الصلاة، فالصلاة كانت على المومنين ميقاتا معلوما، و إذا فكرنا في مسألة الميقات هذه نجد أنها تحررنا من العادة تماما. فوقت الصبح اليوم يختلف عن وقته البارحة و سيختلف عن وقته غدا. و هذا يعني أنك أبدا لا تعيد صلاتين في نفس الوقت ما دمت تتخذ من القمر وسيلة للحساب.
إذن، إذا التزمنا بالصلاة في وقتها، فإن الله يحررنا من العادة و في نفس الوقت يكسبنا عادة. كيف ذلك؟
الله سبحانه يأمرنا أن نكتسب عادة أن نصلي الصلاة في وقتها، بيد أن هذا العادة نفسها ستحررنا من كل عادة لأننا في كل يوم نجاهد أنفسنا، بحيث نصلي الفجر في بعض الشهور في السابعة صباحا و نصليه في أخرى في الرابعة صباحا. إذن هل نصلي بآلية أو ببرمحة مطلقة؟ أبدا.
و عندما قرأت مقولة سينيكا حول العادة، فكرت في الصلاة في الإسلام. و قلت ربما الفيلسوف سينيكا يعني أن نتصرف على هذا النحو.
بحيث أكتسب عادة و لكنني أطورها و أحسنها و أغيرها باستمرار حتى تظل روحي متقدة على الدوام.
فلنفترض أني أريد أن أجعل من القراءة عادة و هذا جيد، و لكن علي مثلا أن أغير من المواضيع التي أقرؤها و لا أصبح أسيرا لنمط معين، و أغير من أسلوبي و من اللغات التي أقرأ بها، و هكذا أكون مع اكتساب عادة جيدة و لكن في نفس الوقت متجدد و متيقظ باستمرار بحيث لا تتحول العادة إلى روتين.
أما إذا أصبحت العادة آلية و روتينية فإنها قد تتحول إلى نوع من الإدمان. فكثير منا يدمن شرب القهوة في الصباح أو تصفح البريد أو التطلع إلى عدد النقرات و المشاهدات في تحليلات جوجل...
ثم نكتشف مع الوقت بأننا لم نعد قادرين على السيطرة على أنفسنا و بأن العادة هي التي أصبحت تحركنا بعد ما كان عليها في البداية أن تخدم لصالحنا و لأجلنا.
إذن اكتساب عادة جيدة هو أمر جيد شريطة ألا تتحول إلى عادة آلية روتينية لا تطوير و لا تحسين و لا مراقبة فيها.
 |
كل شيء في الكون يبدو مألوفا و لكن لا شيء يشبه شيئا آخر و لا لحظة لها مثيلة لها |