نظارات ميتافيرس
لم يكن على ما يرام. و كان عليه أن يتظاهر بأن كل شيء بخير. كان له لقاء مع رجل أعمال مهم و كان يطمح أن يأخذ صفقة منه.
أخذ حماما دافئا، و راح يسمع توكيدات "أنتوني روبنز". كان اشتراها بخصم من معرض في الإمارات.
و هو تحت الماء كان يسمع صوت أنتوني يقول له بقوة " نعم أنت قوي و تستطيع". و لكنه كان منهارا تماما. ولأول مرة أزعجه صوت أنتوني. شعر به كساحر يريد أن يوهمه برؤية أشياء لا توجد.
الآن، أنا منهار و على حافة الإفلاس، و هذا اللقاء هو أملي لأطفو فوق الماء و إلا فإني سأغرق.
أدار عينيه ناحية الشاشة التي كانت تعرض توكيدات انتوني روبنز فأخرسه بحركة من عينيه.
هذه الأشياء كانت تعجبه و تسليه. كان يحب التكنولوجيا لدرجة الشغف. و كان يستمتع بكل اختراع عجيب، كأن يشغل الشاشة بحركة من عينيه و يطفؤها بحركة أخرى.
أصبح يتمنى لو استطاع أن يوقف حديثا مزعجا مع موظفيه أو عائلته أو أصدقائه بحركة من عينيه. بلا وعي منه تمنى لو كان العالم الواقعي يشبه العالم الافتراضي.
فالشاشة غنية بالتجارب و مسلية و لا يظهر فيها إلا أشخاص مثقفون و إيجابيون و في نفس الوقت مطيعة: تصمت متى أٍردتها أنت أن تصمت.
أما الواقع فهو مقرف و مليء بالحمقى و السفهاء و عليك أن تجاريهم و لا يمكنك أبدا أن تمنعهم من الكلام و الفعل و الحركة و إلا ستحاط بأعداء من كل جانب و ستتحول حياتك إلى جحيم.
أخذ يبحث في اليوتوب عن شيئ يمكن أن يغير مزاجه. بدت له كل العناوين متشابهة. و كل من له كاميرا أصبح قادرا على أن يعطي نصائحا حول فن الحياة و حول طرق التغيير و وصفات النجاح.
عندما كان ناجحا، كانت تعجبه تلك المواضيع، و لكن الآن عندما أصبح على حافة الإفلاس أصبح ينزعج من هؤلاء الحمقى الذين يجدون دائما تفسيرا إذا نجحت و يجدون تفسيرا إذا فشلت أيضا.
فلا أحد فيهم سيجرؤ أن يقول أن نصف المستثمرون على حافة الإفلاس لإن الأنظمة المالية فاسدة. أبدا الجميع سيخبرك أنت المسؤول و عليك أن تفكر ما هو الشيء الذي يمكن أن تغيره بداخلك.
"تبا لهم، منذ صدقتهم و داخلي أصبح يشبه العجينة. كل يوم أحاول أن أشكله حتى لم أعد أعرف من أنا حقا و ماذا يوجد في داخلي؟
أصبحت أشبه ذلك البرنامج الذي يضعون عليه الكثير من الأكواد بدون ان ينسخو عليه "كود التنقية". لم أعد أعرف من أنا حقا"
أطفأ اليوتوب بعينيه، و فكر أن يرى ماذا يوجد في بلوجر، أذناه تعبتا من السماع ثم السماع ثم السماع. ربما لو قرأ مدونة ظريفة قد يتسلى.
نظر بعينيه في تطبيق بلوجر و قال له بنغمة حيادية ليتعرف على صوته: ابحث لي عن مدونة مسلية و ظريفة.
فأخذه إلى مدونة بعنوان " خطوات صغيرة" ، أخذ يتصفحها، ذهب إلى قائمة المقالات التحفيزية. سحقا،هي الأخرى تحتوي على مقال يشبه ما يقوله أصحاب اليوتوب: "الخلاص يكمن في الداخل" , شعر بالغضب. عندما توجد موجة في العالم ففي الغالب تكون موجة واحدة عالية. و لكن سرعان ما تنتهي بعد أن يتأكد كل من ركب فوقها بأنه لم يحصل على السعادة و لا على الخلاص.
فأنا قرأت عن الفلسفة الرواقية، و هي وجدت قبل ألفي سنة و هي أول من دعت إلى تغيير الداخل. و لكن أبوها الروحي الفيلسوف سينيكا مات مقتولا على يد تلميذه الحاكم نيرون.
فهل نفعته فلسفته؟ و هل أنقذته من بطش تلميذه. و هل دروسه الفلسفية هذبت تلميذه نيرون الذي أحرق روما؟
إنهم يبيعون الأوهام و جرعات التخدير. افعل كذا و سترى النعيم. افعل كذا و كل مشاكلك ستحل. هراء... هراء... هراء.
ذهب إلى قائمة القصص القصيرة. أخذ يقرأ "نظارات ميتافيرس". أصابه الذهول. هو من كان بطل القصة. حتى حواره مع نفسه كان جزءا من الحبكة. أصابته الحيرة هل هو افتراضي من خيال الكاتبة أم واقعي موجود؟
هل يوجد حقا أم لا يوجد إلا إذا وضع أحدهم نظارات ميتافيرس؟ هل يوجد هو حقا أم يوجد فقط في عالم من يملكون نظارات ميتافيرس؟
![]() |
هل الهروب من الواقع هو أيضا واقع؟ |