انا افكر إذن أنا غير موجود
ذاعت مقولة ديكارت الشهيرة " أنا أفكر إذن أنا موجود" في كل أرجاء العالم. و أصبحنا نرددها حتى بدون أن نعرف معناها أو ماذا قصد بها ديكارت نفسه.
ربما لأن الإنسان يبحث عن سر الوجود و لا يعرف كيف يتأكد فيما إذا كان فعلا موجودا. ثم جاء سارتر يرد عليه " أنا أختار إذن أنا حر إذن أنا موجود".
و في كل هذا، ربما أدرك الإنسان الحديث بأنه غير موجود. لأن هذه المقولات همت فلاسفة العصر الحديث، إذن ربما الإنسان الحديث بطريقة ما أصبح مغيبا و أصبح يتساءل كيف يدرك أنه فعلا موجودا.
و لكن اعتقاد ديكارت بأن الإنسان موجود بالتفكير فيه ما فيه. لأن الإنسان الحديث مغيب من كثرة التفكير الزائد عن حده.
فطيلة الوقت، و عقله مشغول بموضوع ما أو حدث ما أو تأويل ما أو محاولة إيجاد معنى لشيء ما فيستغرق في التفكير الزائف الذي لا طائل منه لينسى الوجود.
فالتفكير في حقيقة الأمر يبعد الإنسان عن كينونته، ولا يجعله يلاحظ تفاصيل الحياة، لأنه يظل غارقا في أفكار داخلية في غالب الأحيان لا تعبر على الواقع أبدا.
ففي العصر الحديث أصبح الإنسان يعاني من أزمة وجود. لأنه لم يعد يجيد استخدام حواسه من سمع وشم و بصر و لمس و ذوق و التجأ فقط إلى قوة العقل.
هذا مع العلم أن عقل الإنسان مهما بدا بطاقات غير محدودة فإنه في الحقيقة محدود و لكن الوعي هو الغير المحدود. فاطلب منه مثلا أن يصف لك بتفصيل كينونة دقيقة واحدة. من المؤكد سيستغرق يوما كاملا ليصفها و لن يقدر أبدا على أن يصفها بأدق التفاصيل و كما هي بالضبط. و لكن وعي الإنسان قادر على أن يعيش تلك الدقيقة بكل ثراء و وسع.
و عليه فالإنسان إذا وثق كثيرا في قوة التفكير و تجاهل حواسه الغير المحدودة فإنه سيكون موجودا فقط في داخل أفكاره.
و هذا ما يحصل لنا جميعا إذا لم نفطن، حيث نردد الشيء ذاته مرات عديدة، و نجتر المشاكل نفسها و المواقف نفسها لسنوات و كأن الكون بأسره لا توجد فيه إلا تلك الصور و المواقف.
من أين نتج هذا؟ لأننا أفرطنا في التفكير و نسينا أن نعيش فقط.
إذن الأحرى، أن نقول لكل من يفكر كثيرا بلا طائل أن يغير مقولة ديكارت إلى " أنا أفكر إذن أنا غير موجود".
و الآن قد تقول لماذا وجد الذهن و ما هي مهامه إذا كان التفكير المفرط لا يجعلك ترى الأشياء كما هي حقا؟
أدعوك إذن لقراءة مقال "الذهن الصافي".
 |
أنا أفكر إذن أنا غير موجود |