recent
جديد المدونة

الخلاص يكمن في الداخل

 الخلاص يكمن في الداخل

 بعض الروايات قد تسكنك فترة من الزمن، قد تتسلل إلى شرايينك و تقتحم أعماقك بلا استئذان. فبلا وعي منك تجد نفسك تفكر في أبطالها و في مؤلفها.

 و هذا ما حصل معي في رواية " 1984" لجورج أورويل. و لي شبه اليقين بأنها حصلت مع قراء كثر غيري. فليس من محض الصدفة أن تصنف الرواية  من بين أحسن مائة رواية في التاريخ.

الرواية الجيدة عادة ما يكون بها شيء ما لا يفسر و لكنه يذاق و يعاش. فلو شخصا قال لك صف لي مذاق البطيخ؟ هل ستقدر على وصفه كأنه بطيخ. و كذلك الكتاب أو الكاتب الجيد. 

هو فقط يتسلل كالهواء إلى أعماقك، فيزعجك تارة و يبعثرك تارة و يسليك تارة. لوهلة قد تتساءل فيما لو لم تصبح أسيرا لديه لا تقدر على فعل شيئ حتى يخرجك هو من عالمه بمحض إرادته. أما إذا كان الكاتب عبقريا كجورج أورويل، فإنك في الغالب ستظل عالقا في عالمه. 

و رواية جورج اورويل " 1984"، هي نفسها  تتحدث بطريقة ما عن هذا الأسر الداخلي اللامرئي، عن هذا القيد الذي لا يرى و لكنه يكبلك من الداخل، فتظل طيل الوقت تفكر و تتوجس و تظن الظنون إلى أن تنقضي أيامك و تدفن لتكتشف بعد فوات الآوان بأنك طيلة حياتك كنت عالقا و أسيرا لقوى غير مرئية كبلتك و منعتك من اكتشاف الحياة كما ينبغي.

فبطل الرواية مهووس ليل نهار بالأخ الأكبر، يراه في الحائط و فوق السرير و في الشارع وفي مكان عمله. ليس وحده المهووس به فالمدينة كلها تتنفس على إيقاعه. و الغريب لا أحد رآه. و لكن أصبح له أتباعا كثر يدافعون على سطوته.

بطل الرواية، كان يصبو إلى الحرية، إلى الانعتاق من هيمنة و تحكم الأخ الأكبر. فقرر أن يكتب لأنه وجدها وسيلته الوحيدة. و كان عليه أن يكتب دون أن يراه أحد، بيد أن الأخ الأكبر يراقب كل شيئ و يعرف أدق الحركات.

ثم تعرف على فتاة تشتغل في نفس شركته، و الحب هو الآخر كان حراما في قوانين الأخ الأكبر. و لكن ظلا يعتقدان بأنه لا أحد يراهما. و أحبا بعضهما أو اعتقدا ذلك و تواعدا بأن لا شيئ سيفرقهما و لو الأخ الأكبر وتواعدا  بأنهما لن يخونا بعضهما أبدا.

هو كان يخاف من الظلام و هي على ما أذكر من الصراصير. 

ثم في يوم، تواعدا فيه في منزل خارج المدينة. فخرج أتباع الأخ الأكبر من حائط المنزل و أخبراهما بأنهما يراقبون كل شيء و يعرفون كل تحركاتهما و لكنهم تغافلوا. و طلبوا منهما أن يعلنا ولاءهما و طاعتهما للأخ الأكبر و أن يفترقا.

رفض بطل القصة و عذب بشتى أنواع العذاب و ظل صابرا. إلى أن، أدخل في غرفة العذاب 101 التي كان الجميع يخشاها. و خرج منها منهزما. و دخلت عشيقته هي الأخرى إلى  الغرفة و خرجت منها ذليلة يائسة.

في غرفة 101، كان أتباع الأخ الأكبر يحبسون المتهمون مع مخاوفهم. فحبس البطل في الظلام الدامس و هو يخاف من الظلام فظل يصرخ إلى أن أعلن الاستسلام و هي حبسوها في غرفة 101 مع صرصور فانهارت تماما.

و عندما فكرت في مقدار و طرق العذاب التي واجهها ثم استسلما أمام غرفة 101، بدا لي ذلك مؤسفا.

هل من أجل صرصور انهارت البطل؟ و فقط الظلام الدامس جعل البطل ينهار؟

و لكن أعتقد بأن جورج أورويل، أراد أن يبين بأن الحرية تبدأ من الداخل، الحرية تكمن أولا في التحرر من مخاوفك و وحوشك الداخلية و السيطرة عليهم و ترويضهم.

فالحرية لا يمكن أن تحصل عليها بمحاولة إسقاط الأخ الأكبر أو حتى دعمه، و لكنك تحصل عليها عندما تنجح في اختبار الغرفة 101، أي اختبار تحطيم مخاوفك و قيودك الداخلية و مواجهتها بدل الهروب منها.


الخلاص يكمن في الداخل

لا يهم من يراقبك. المهم هل تراقب أنت نفسك و قادر على مواجهة مخاوفك و عيوبك؟











google-playkhamsatmostaqltradent