قوة الصمت

 النصائح تجارة رائجة

عالمنا الحالي هو عالم مليء بالنصائح المجانية و بالوصفات الجاهزة. ففي اليوتوب، في المدونات، في الكتب، في بودكاست توجد نصائح لكل شيء: للبيت للحب للزواج للجمال... 

النصائح تجارة رائجة. فهي مطلوبة لأن الإنسان يمني نفسه بأن الحلول أو الوصفات الجاهزة ستسهل عليه حياته و ستجعله يربح الوقت و الجهد.

و هكذا ستجد الناس يسئلون جوجل عن كل شيء، و كأنه يملك الأجوبة لكل أسرار الحياة. يسئلونه عن كيف يمكنهم أن يصبحوا أثرياء، و كيف يمكن أن يصبحوا جذابون و كيف يحظون بالشهرة و كيف يتخلصون من مشاكلهم و كيف يطبخون و كيف يكتبون مقالا و كيف يصبحوا سعداء و كيف يواظبون على ممارسة الرياضة و كيف و كيف و كيف...

و لكن على كثرة المعرفة في وقتنا الحالي و سهولة الوصول إلى تجارب الآخرين و الاستماع إلى نصائح المختصين و العامة، ألا يحق لنا أن نتساءل ما تأثير هذه النصائح على حياة الناس عامة؟

إن فكرة افعل كذا و ستحصل على كذا مع أنها تبدو مغرية حقا، و تبدو مطمئنة للناس عامة، إلا أنها تبدو ساذجة. و إلا لمادا يفشل مشاهير أذكياء و أغنياء و لهم مدربون خاصون في الحب و العلاقات و يغرقون في حالات من الإكتئاب و الأمراض؟

لو كانت توجد وصفات جاهزة للسعادة لكان بالأحرى للحكام و الأثرياء و المشاهير أن يطبقوها في حياتهم اليومية.

لو كان الإنسان في الوقت الحالي يملك أجوبة لكل شيء، كما يظهر من خلال محرك البحث جوجل، إذ يكاد يكون مستحيلا أن تسأله سؤالا دون أن تجد من حاول الإجابة عليه، فلماذا ما زال الإنسان يعاني؟

صحيح أن ما يوفره الويب حاليا هو خارق بكل المقاييس، إذ لأول مرة في تاريخ البشرية يمكن للأفراد و القبائل و كل الجماعات أن تدون تجاربها و معارفها ليضطلع عليها الجميع. فهذه المشاركة الثرية في المعارف الإنسانية لم تعشها البشرية منذ بدأ تكوينها بهذه الغزارة و السهولة.

و لكن الإشكال في الإنسان نفسه، فهو في معظم الأحيان لا يتحدث عن تجاربه كما عاشها، و لا يعبر عن مشاعره الحقيقية و لكنه يقدم " حقائق متداولة" و "وصفات جاهزة"، كأنه يخاف أن يعبر عن واقعه المعيش كما لامسه و كما شعر به فينظر إليه بسخرية و ازدراء و بأنه فاشل.

 فيتظاهر بأشياء غير حقيقة و يبالغ في الكذب و في قلب الحقائق لتتحول التجارب الإنسانية نفسها إلى أكاذيب، و عليه حتى الدروس أو النصائح أو العبر التي يمكن فعليا استخلاصها منها تصبح مغلفة بالكثير من الأوهام و المظاهر الخادعة.

و هكذا تتحول النصائح إلى تجارة رائجة تسوق لحياة مثالية لم يعشها حتى ذاك الذي قدم تلك النصيحة. 

أسهل شيء هو أن تحمل شعارا في يدك و الأصعب أن تحمله في وجدانك